في الفزع إلى الصلاة عند الكرب فضائل وفتوحات، وهناك قصص واقعية جرت في ذلك، يقول ربنا سبحانه وتعالى: }وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ{ (سورة البقرة: 45)، وكان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إذا حزَبه أمر فزع إلى الصلاة. وهذه قصة حقيقية جرت مع أحد الصالحين في بلاد الحرمين في عصرنا، حكاها لابن أخت له. قال: عشتُ فقيرًا، ووالدي فقير، وأمي فقيرة، ونحن فقراء غاية الفقر، وكنت منذ أن ولدت أعمى دميمًا قصيرًا فقيرًا، وليس فيَّ شيء من الصفات التي تحبها النساء. قال: وكنت مشتاقًا للزواج غاية الشوق، ولكن إلى الله المشتكى، حيث إنني بتلك الحال التي تحول بيني وبين الزواج. فجئت إلى والدي وقلت له: يا والدي إنني أريد الزواج. فضحك الوالد، وهو يريد بضحكه أن أيأس حتى لا تتعلق نفسي بالزواج. ثم قال: هل أنت مجنون؟! من الذي سيزوجك؟ أولًا أنت أعمى، وثانيًا نحن فقراء، فهوِّن على نفسك، فما إلى ذلك من سبيل، إلا بحالٍ تبدو، والله أعلم ما تكون. وكان عمري قريبًا من 24 أو 25 عامًا. ثم ذهبت إلى والدتي أشكو لها الحال، لعلها أن تنقل ذلك إلى والدي مرة أخرى، وكدت أن أبكي عند والدتي. فإذا بها مثل الأب، حيث قالت: يا ولدي أين أنت من الزواج، هل أنت فاقد عقلك؟ أين لنا بالدراهم لتكون لك زوجة؟ وكما ترى حالنا المعيشية الضعيفة، وماذا نعمل وأهل الديون يطالبوننا صباحًا مساء؟ فأعاد على أبيه ثانية، وعلى أمه ثانية بعد أيام، وإذا به على نفس قوله الأول، لم يتغير عنه! قال: ولكن في ليلة من الليالي قلت لنفسي: عجبًا لي! أين أنا من ربي أرحم الراحمين؟ أنكسر أمام أمي وأبي وهم عجَزة لا يستطيعون شيئًا، ولا أقرع باب حبيبي وإلهي القادر المقتدر؟ قال: فصليت في آخر الليل -كعادته -، ورفعت يديَّ إلى الله عزَّ وجلَّ، فقلت من جملة دعائي: إلهي، يقولون إنني فقير وأنت الذي أفقرتني، ويقولون إنني أعمى وأنت الذي أخذت بصري، ويقولون إنني دميم وأنت الذي خلقتني، إلهي وسيدي ومولاي، لا إله إلا أنت، تعلم ما في نفسي من وازع إلى الزواج، وليس لي حيلة ولا سبيل، اعتذرني أبي لعجزه، وأمي لعجزها، اللهم إنهم عاجزون، وأنا أعذرهم لعجزهم، وأنت الكريم الذي لا تعجز، إلهي نظرةً من نظراتك يا أكرمَ مَن دُعي، يا أرحم الراحمين، قيِّضْ لي زواجًا مباركًا صالحًا طيبًا عاجلًا، تريح به قلبي وتجمع به شملي. قال: كنتُ أدعو الله تعالى وعيناي تبكيان، وقلبي منكسر بين يدي الله تعالى، وقد كنت مبكرًا بالقيام، وبعد الصلاة والدعاء نعست.. ورأيت في المنام أنني في مكان حارّ كأنه لهب، وبعد قليل إذا بخيمةٍ نزلت عليَّ من السماء، خيمة لا نظير لها، في جمالها وحُسنها، حتى نزلت فوقي وغطّتني، وحدث معها من البرودة شيء لا أستطيع أن أصفه، من شدة ما فيه من الأنس، حتى استيقظت من شدة البرد بعد الحرّ الشديد. فاستيقظت وأنا مسرور بهذه الرؤيا. ولما أصبح ذهب إلى عالم من العلماء معبِّرٍ للرؤيا، فقال له: يا شيخ، لقد رأيت في النوم البارحةَ كذا وكذا. فقال لي الشيخ: يا ولدي هل أنت متزوج أم لا؟ فقلت له: لا، لم أتزوج. فقال: لماذا لم تتزوج؟ فقلت: كما ترى يا شيخ، فهذا واقعي: رجل عاجز أعمى وفقير، والأمور كذا وكذا. فقال لي الشيخ: يا ولدي هل أنت البارحة طرقتَ باب ربك؟ فقلت: نعم، لقد طرقت باب ربي، وجزمت وعزمت على استجابته دعائي. فقال الشيخ: إذن اذهب يا ولدي وانظر أطيب بنتٍ في خاطرك واخطبها، فإن الباب مفتوح لك، خذ أطيب ما في نفسك، ولا تذهب تتدانى وتقول: أنا أعمى سأبحث عن عمياء مثلي، وإلا كذا وإلا كذا، بل انظر أطيب بنت، فإن الباب مفتوح لك. قال: ففكرت في نفسي، ولا والله ما في نفسي مثل فلانة، وهي معروفة عندهم بالجمال وطيب الأصل والأهل. فجئتُ إلى والدي فقلت: لعلك تذهب يا والدي إليهم فتخطب لي منهم هذه البنت. قال: ففعل والدي معي أشدَّ من الأُولى، حيث رفض ذلك رفضًا قاطعًا، نظرًا لظروفي الخَلقية والمادية السيئة، لا سيما وأن مَن أريد أن أخطبها هي من أجمل بنات البلد، إن لم تكن هي الأجمل والأفضل. فذهبتُ بنفسي، ودخلت على أهل البنت، وسلمت عليهم، فقلت لوالدها: جئت إليكم أخطب فلانة. فقال: تخطب فلانة؟ فقلت: نعم. فقال: أهلًا والله وسهلًا فيك يا ابن فلان، ومرحبًا فيك مِن حاملٍ للقرآن. والله يا ولدي لا نجد أطيب منك، لكن أرجو أن تقتنع البنت. ثم ذهب للبنت ليأخذ رأيها، فقال لها: يا بنتي، هذا فلان، صحيح أنه أعمى، لكنه مفتّح مبصر بالقرآن، معه كتاب الله تعالى في صدره، فإن رأيتِ زواجه منكِ فتوكلي على الله. فقالت البنت: ليس بعدك وبعد رأيك فيه شيء يا والدي، توكلنا على الله. وخلال أسبوع فقط تزوجها بتوفيق الله وتيسيره.

###(مقتطف من كتاب: افزع إلى الصلاة: توجيهات نبوية وقصص واقعية/ عبدالله بن زعل العنزي.- الرياض: دار الحقيقة الكونية، 6341 هـ ص 45 - 85).

افزع إلى الصلاة: توجيهات نبوية وقصص واقعية